التدريس في كلية الشرطة والحقوق

التدريس في كلية الشرطة

    بعد وصولي إلى بغداد في 16/7/1954 ، تم تعييني مدرساً في كلية الشرطة بالإرادة الملكية رقم 840 في 23/9/1954 ، موقعة من هيئة النيابة محمد الصدر وعبد الوهاب مرجان وأحمد مختار بابان ، ووكيل رئيس الوزراء محمد علي محمود ووزير الداخلية سعيد قزاز … ( الوقائع العراقية / العدد 3481 في 11/10/1954 ) وكان سعيد قزاز الوزير النبيل حرص على استصدار الإرادة الملكية في غياب الملك والأمير عبد الإله ورئيس الوزراء نوري السعيد خارج العراق ، خشية من اعتراض نوري السعيد على تعييني وهو الذي أحالني للتقاعد من الجيش في عام 1944 .
ونشرت جميع الصحف الإرادة الملكية بتعييني ، منها جريدة الحوادث ( عدد 351 في 30/9/1954 ) التي جاء فيها : ” صدرت الإرادة الملكية بتعيين الأستاذ أكرم نشأت إبراهيم مدرساً في كلية الشرطة في الصنف الثاني من أصناف قانون الخدمة التعليمية . والأستاذ أكرم من خيرة شبابنا المثقف الكفء ، سبق له ممارسة المحاماة بنجاح مدة من الزمن ، ثم اختارته وزارة المعارف من بين أوائل خريجي كلية الحقوق وأوفدته في بعثتها العلمية إلى مصر ، حيث قضى عامين في دراسة مجدة مثمرة ، حصل بعدها على دبلوم الاختصاص في الدراسات العليا للعلوم الجنائية بدرجة “ممتاز” من جامعة القاهرة ” .
الدكتور اكرم نشات ابراهيم استاذ في كلية الشرطة العراقية سنة 1954
الدكتور اكرم نشات ابراهيم استاذ في كلية الشرطة العراقية سنة 1954
   وباشرت بوظيفتي في كلية الشرطة ، حيث رحب بي عميدها اللواء عبد الجبار الراوي الشخصية الرصينة ذو الخبرة الإدارية الواسعة ( مدير الشرطة العام السابق ) .
    وتوليت تدريس قانون العقوبات وعلم النفس الجنائي وعلم الاجتماع الجنائي . وكنت أرعى طلابي كأبنائي وألمس فيهم كل مشاعر الود والتجاوب مع الدروس التي كنت القيها والنصائح التي أوجهها ، وقد وصف هذه العلاقة بكلماته المعبرة عنها بحق الأخ العزيز اللواء عبد المحسن خليل مدير الشرطة العام سابقاً في مقالة نشرتها مجلة الشرطة العراقية بعددها السابع الصادر في أيار 2001 ، جاء فيها : ” لقد عاصرت أستاذنا الجليل عندما كنت طالباً في كلية الشرطة ، حيث كان أستاذنا يدرس إلى جانب تدريسه في كلية الحقوق . وكنا كطلاب معجبين به من خلال محاضراته وإنسانيته وحركته السريعة ، ورعايته الطلبة الذين يعتبرهم كأبنائه ، فتراهم حوله كخلية نحل للاستشارة والاستفادة من علمه وتوجيهاته وخبرته في شؤون الحياة . فكان يهيئ لنا المحاضرات ويقدمها إلينا ، ويتابعنا في دراستها . وكنا باستمرار نحاول أن نعرف عنه كل شيء عن حياته ، خاصة وكنا نعلم انه كان ضابطاً في الجيش ثم أحيل على التقاعد ، وعند سؤاله عن أسباب إحالته للتقاعد ، كان يبتسم ويجيبنا أنه خرج من الجيش ، لرغبته في دراسة القانون ، لأجل تحقيق العدالة وحرية المواطنين وعدم التدخل في شؤونهم الخاصة إلا في حالة تجاوزهم على القانون نفسه . في حين إننا علمنا بعد ذلك انه أحيل إلى التقاعد لإسهامه في ثورة مايس الوطنية ضد الاستعمار البريطاني وأذنابه. وكان أستاذنا يشارك في النشاطات الاجتماعية والمناسبات مع الطلبة داخل الكلية” .

التدريس في كلية الحقوق

     بعد مباشرتي بالتدريس في كلية الشرطة ، دعاني الدكتور عبد الله العربي عميد كلية الحقوق للقائه ، وأخبرني بأنه كان مكلفاً من وزير المعارف باستقدام أستاذ من مصر لتدريس مادة علم النفس الجنائي ، وأنه عند استشارته أستاذي محمد فتحي  أستاذ علم النفس الجنائي بجامعة القاهرة ، بشأن من يصلح لتدريس تلك المادة ، أشار عليه بتكليفي القيام بهذه المهمة , وطلب الدكتور العربي موافقتي ، فأبديتها شاكراً . فقرر مجلس الكلية تعييني محاضراً لتدريس المادة المذكورة ، وصدر الأمر الوزاري 43624 في 3/12/1954 بذلك من وزارة المعارف . فواصلت خلال الأعوام الدراسية الثلاثة 54-55 و 55-56 و56-1957 تدريس علم النفس الجنائي لطلاب الصف الرابع في الكلية ،  بينهم صفوة خيرة برزت أذكر منهم  : الأساتذة حسين الصافي وأحمد الحبوبي وعبد الوهاب الدولعي وعاد تكليف آل فرعون ومدحت المحمود وابراهيم العزي وخيري الشماع و وداد عجام وعدنان الامين وناظم الصالحي والدكاترة عبد العال الصكبان وسعد العلوش وإبراهيم فياض وفوزي محمد سامي وعصام البرزنجي وعبد العزيز العكيلي وعدنان العابد وغالب الداودي .
الدكتور اكرم نشات ابراهيم مدرس في كلية الحقوق
الدكتور اكرم نشات ابراهيم مدرس في كلية الحقوق

كتاب علم النفس الجنائي

    كانت القاعدة المقررة في كلية الحقوق آنذاك ، قيام أستاذ كل مادة يتولى تدريسها ن بتأليف كتاب في تلك المادة . لذا منذ شروعي بالتدريس بدأت بتأليف كتابي علم النفس الجنائي ، وطبع ملازمه بالتدريج وتزويد الطلاب بها ، وفي نهاية السنة تم طبع الكتاب كاملاً ، وفي العام التالي أصدرت الطبعة الأولى من الكتاب لعموم القراء ، فأشادت به جريدة الشعب والحرية والحوادث واليقظة والزمان ومجلة المعلم الجديد ومجلة القضاء ( عدد 5 سنة 14/1965 ) التي جاء فيها ” الكتاب موجز للدروس التي ألقاها المؤلف في موضوع علم النفس الجنائي ، على طلاب الحقوق وكلية الشرطة . والكتاب هو خلاصة مركزة لمواضيع هذا العلم ، استقاها من دراساته العلمية مع الرجوع إلى عدد كبير من المصادر القيمة التي أشار إليها المؤلف في هوامش الكتاب . ومما يجدر ذكره هو إن المؤلف قد حاز دبلوم الدراسات العليا في العلوم الجنائية من جامعة القاهرة ، ويشغل في الوقت الحاضر بالإضافة إلى تدريسه علم النفس الجنائي في كليتي الحقوق والشرطة والقانون الجنائي في كلية الشرطة ، منصب عضو التحكيم في محكمة الأحداث ببغداد . والقضاء إذ تشكر الاستاذ أكرم نشأت على هديته ، وتلفت أنظار قرائها إلى هذه الدراسة الجديرة بالاقتناء ” .
    كذلك عرض صديقي الدكتور أكرم فاضل هذا الكتاب في مقالة له في مجلة قرندل بعددها الصادر في 24/2/1957 جاء فيها : ” ألف الأستاذ أكرم نشأت إبراهيم لطلابه وطلبة الثقافة العامة الصحيحة كتابه الطريف “علم النفس الجنائي” . فمقدمة كتابنا هذا تبحث في الجريمة وعواملها فيقول المؤلف إنها ظاهرة مزعجة مستهجنة من ظواهر السلوك الإنساني الشاذ في الحياة ، أقلقت ولازالت تقلق المجتمعات البشرية منذ بدء الخليقة حتى الآن . ثم يذكر الأستاذ إن علم الإجرام الذي يشتمل على دراسة الظاهرة الإجرامية ، تتفرع منه دراسات علم الاجتماع الجنائي وعلم البيولوجيا الجنائي وعلم النفس الجنائي موضوع الكتاب . ويتناول بعد ذلك ” الغرائز واختلالاتها ” فيشبعها بحثاً وتفصيلاً ، ويعلمنا من الغرائز ما لم نكن نعلم . ويدخل معلمنا إلى ” باب العواطف المنحرفة ” تعريف العاطفة واتساع دائرة العواطف وأنواع العواطف حسب ماهية موضوعاتها ، فالعاطفة السائدة والعواطف المنحرفة وأثرها في الإجرام ، فالوقاية من انحراف العواطف . ثم يأتي دور ” العقد النفسية ” فيبدع في عرضها عرضاً أخاذاً ، وعلى الأخص حين يتكلم عن أنواع العقد النفسية : عقدة النقص وعقدة أوديب وعقدة الكترا وعقدة الأب وعقدة الأم والعقدة الجنسية : أما الباب الرابع فيكون من نصيب الأمراض النفسية ، ويفرق أستاذنا بين الأمراض النفسية والأمراض العقلية ، ويشرح الأمراض النفسية المجردة كالهستيريا التحويلية والهستيريا التسلطية وغيرها ، والأمراض النفسية الفعلية كالقلق النفسي والإعياء النفسي . ويعرض بعد ذلك الأمراض العقلية العضوية الشلل الجنوني العام وجنون الكحول وجنون الشيخوخة ، والأمراض العقلية الوظيفية الفصام والبارانويا وذهان الهوس والاكتئاب وذهان الهذاء . ثم يخلص إلى التخلف العقلي والنفسي في الباب الخامس ، فيذكر سمات التخلف النفسي الاندفاعية واللاأخلاقية والأنانية واللاتكيفية ، ويصنف حالات التخلف النفسي إلى النمط العدواني والنمط المراوغ . ثم يعالج الأستاذ التخلف العقلي وأنماطه . أما الباب السادس فقد خصصه لأثر العوامل النفسية في المسؤولية الجنائية والإدراك وحرية الاختيار. والكتاب لا يستغني عنه طالب متعلم أو متأدب متطلع أو مثقف بمعنى الشمول ، فان المواضيع الواردة فيه كالتخلف النفسي والعقد النفسية وأضرابها ، تمس حياتنا الاجتماعية في الصميم ، وتعيننا على تفهم نفسيات مخاليق يعيشون بين ظهرانينا ، فنحار في تعليل تصرفاتهم.

اترك تعليقًا

إملأ الحقول أدناه بالمعلومات المناسبة أو إضغط على إحدى الأيقونات لتسجيل الدخول:

شعار ووردبريس.كوم

أنت تعلق بإستخدام حساب WordPress.com. تسجيل خروج   /  تغيير )

Facebook photo

أنت تعلق بإستخدام حساب Facebook. تسجيل خروج   /  تغيير )

Connecting to %s