كنت أتولى قيادة حرس الشرف في حفل تنصيب الوصي الجديد الشريف شرف ، الذي حضر في سيارة يرافقه جلال خالد متصرف بغداد ، وبعد انتخابه وصياً للعرش ، غادر بناية المجلس ، وأدى حرس الشرف التحية له وعزفت الموسيقى السلام الملكي.
وفي صباح يوم 12 نيسان ، توليت قيادة حرس الشرف في حفل استيزار وزارة رشيد عالي الكيلاني ، الذي كلفه الشريف شرف بتشكيل الوزارة . وحضر الكيلاني و وزرائه إلى بناية مجلس الوزراء في سراي الحكومة ( القشلة ) . وبعد إلقائه كلمة بالمناسبة وتلقيه التهاني من الحاضرين في القاعة التي جرى فيها الحفل ، أدى حرس الشرف التحية له ، عند مغادرته المكان مع وزرائه إلى البلاط الملكي ، لتقديم الشكر إلى الوصي الشريف شرف ، كما جرت العادة عند تشكيل الوزارات .
وفي مساء يوم 1 مايس ، توليت مع مفرزة من الجنود ، حماية الاحتفال بعيد ميلاد الملك فيصل الثاني ، في قاعة الملك فيصل الثاني ، التي تم افتتاحها في ذلك اليوم ( قاعة الشعب في باب المعظم حالياً ) . وحضر الاحتفال رئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني والقادة العقداء صلاح الدين الصباغ وفهمي سعيد ومحمود سلمان وكامل شبيب والوزراء وكبار المسؤولين العسكريين والمدنيين .
وفي مساء يوم 2 مايس ، أذيع من إذاعة بغداد البلاغ العسكري رقم (1) عن الاصطدام المسلح في فجر اليوم نفسه ، بين القوات العسكرية العراقية المرابطة بجوار معسكر سن الذبان والقوات البريطانية الموجودة في المعسكر ، التي قصفت طائراتها القوات العراقية ، بعد أن أنذرتها بوجوب الانسحاب من موقعها المجاور للمعسكر ، ولم تستجب لها قيادة القوات العراقية .
وبعد إذاعة البلاغ العسكري ، ألقيت في الإذاعة الحديث المكلف مسبقاً بإلقائه من قبل الشعبة الثالثة بوزارة الدفاع ، المنطوي على تمجيد الجندية والاعراب عن ابتهاج الجيش بعيد ميلاد الملك فيصل الثاني وحبه والولاء المطلق له . لكن الوقائع التي حصلت في فجر ذلك اليوم ، جعلتني أضيف جانباً آخر على حديثي المقرر، لمهاجمة العدوان البريطاني واستنكاره ، مع التنديد بالمتعاونين مع المعتدين .
وفي يوم 23 مايس ، صاحبت ومعي مفرزة من الجنود قافلة من 15 سيارة محملة أسلحة وعتاد ومواد أخرى ، متوجهة إلى القوات العراقية المرابطة في الرمادي ، بقيادة العقيد سعيد يحيى . وقد سلكت القافلة في الذهاب والعودة ليلاً طريقاً ترابياً بدلالة دليل ، تجنباً للطريق الاعتيادي المار بالفلوجة الذي أصبح تحت سيطرة القوات البريطانية بعد احتلال الفلوجة . وكان ضابط شرطة الكاظمية سلطان أمين ( وكيل وزارة الداخلية فيما بعد ) قد هيأ الدليل للقافلة .
وفي يومين آخرين متفاوتين خلال شهر مايس ، توليت مهام ضابط خفر الحرس الملكي في قصر الزهور . حيث كنا ضباط فوج الحراسة نتناوب القيام بهذه المهمة ، بعد أن أصبح فوج الحراسة يتولى مهام الحرس الملكي الذي تم استبعاده ، وأصبح آمر فوج الحراسة المقدم صالح زكي الطائي المعروف بصداقته للقادة الاربعة ، يتولى مهام آمر الحرس الملكي إلى جانب كونه آمر فوج الحراسة . وخلال اليومين المذكورين ، أتيح لي مشاهدة الملك فيصل الثاني يتجول في حديقة القصر مع مرافقه المقدم عبد الوهاب عبد اللطيف . وكانت التعليمات تقضي بعدم خروج الملك ووالدته الملكة عاليه من القصر ، وكذلك عدم خروج مرافقه المقدم عبد الوهاب عبد اللطيف من القصر ، مع السماح له بالخروج على أن لا يعود إلى القصر .
وفي اليوم الأول من حزيران ، عمت الفوضى معظم أنحاء بغداد ، وبدأت عمليات السلب والنهب ، مما استدعى إعلان منع التجول ، وتولى العقيد نور الدين محمود مدير الحركات بوزارة الدفاع مسؤولية قمع الفوضى ، واستخدام قوات فوج الحراسة لهذا الغرض . وكانت المهمة التي تم تكليفي بها مع مفرزة من الجنود ، قمع عمليات العدوان والسلب والنهب في شارع الرشيد وما جاوره ضمن المنطقة الكائنة بين باب المعظم وساحة معروف الرصافي . كما تم تكليف ضباط آخرين للقيام بمثل هذه المهمة في المناطق الأخرى من بغداد ، حتى تم القضاء على حالة الفوضى وما جرى خلالها من أفعال عدوانية ، خلال اليوم التالي .
وفي نفس اليوم عاد الوصي الأمير عبد الإله إلى بغداد . وبدأت الإجراءات ضد الضباط الذين ساهموا بفاعلية في ثورة مايس ، وكنت من ضمنهم ، غير أنه بفضل جميل المدفعي رئيس الوزراء الذي كانت له صلة طيبة بوالدي ، اكتفي بنقلي من فوج الحراسة إلى وحدات منطقة الموصل . كما أنه كان لجميل المدفعي فضلاً في حماية الكثيرين من الضباط والوطنيين المخلصين الآخرين .
من كتاب مذكراتي للدكتور اكرم نشات